النهوة على الرجال ابتكار عشائري جديد لإنقاذ بناتهم من العنوسة

 

النهوة على الرجال ابتكار عشائري جديد

 لإنقاذ بناتهم من العنوسة


النهوة على الرجال ابتكار عشائري لإنقاذ بناتهم من العنوسة
النهوة على الرجال ابتكار عشائري لإنقاذ بناتهم من العنوسة



باتت النهوة ظاهرة جديدة تغزو المجتمع العراقي شأنها شأن الظواهر التي انتشرت بعد عام 2003، وترسخت في المجتمع العراقي لتصبح عنواناً لملامح المجتمع البدائي الذي اعتاد أن يتصير وفق قرارات ومعالم قبليّة، تحكمه العشيرة ويخضع لحكمها القانون بل لربما يكون القانون

عاجزاً عن التصرف أمامها، ولنخوض أكثر في غمار هذه الظاهرة والتعرف على إيجابياتها وسلبياتها وأسبابها ونتائجها كانت لنا جولة بين شباب عانوا هذه الظاهرة لكنهم رفضوا الإعراب عن أسمائهم الصريحة، ولم يكن السبب واضحاً، أهو خوف من العشيرة أم خجل من المجتمع المتحضر، فلم يكن شباب الأمس يعانون هذه الأحكام ولم يعيشوها ولكن في السابق كانت تعاني منها النساء فحسب، فكانت النهوة على النساء وكنَّ فريسة الزواج القسري من ابن العم، لكن الآن فقد اختلف الوضع فبات الشاب مجبراً على الزواج القسري من بنتِ عمه، لهذا يرفض أغلب الشباب الإفصاح عنها خجلاً من المجتمع وسخريته .

حكم القوي على الضعيف
لكن للسكوت ثمناً فباتت تستشري بين المجتمع حتى أخذت حيز الاهتمام لدراسة هذه الحالة والكتابة عنها وطرحها للإعلام لإيجاد حلول وعدم الانزلاق في مستنقع قبلي بحت يتحول شيئاً فشيئاً إلى مجتمع لا قانون فيه ويحكم القوي الضعيف.

(ب- ش) البالغة من العمر ثلاثين عاماً من بغداد خطبت لشاب من منطقة الصويرة وعقد قرانها وقبل إتمام الزفاف جاء أعمام الشاب وطلبوا تطليق العروس، أما إذا تم هذا الزواج فسيُقتل العريس أو أب العروس وتروي العروس (ب-ش) تم فعلاً تطليقي منه وتزويج العريس من بنت عمه عنوة وبالمقابل وافقت على إتمام الطلاق اختياراً مني أن أكون مطلقة أفضل من أن يتعرض أي شخص من أفراد عائلتي للقتل، بعدها تزوجت من ابن عمي المتزوج فقط من أجل أن يحل المشكلة ويحافظ على سمعتي أمام العشيرة والناس فوالدي لا يهضم فكرة أن تكون ابنته مطلقة.

زوج تحت تهديد السلاح

(حسن ماضي) وهو اسم وهمي استعاره شاب يبلغ من العمر 27 عاماً في مدينة الموصل قال للمدى :- أجبرت على الزواج من بنت عمي تحت تأثير تهديدات عمي في حال إذا لم أتزوج من ابنته، فاني سأتعرض للقتل أو يتعرض والدي للأحكام العشائرية من فدية (فصل عشائري) وغيرها، بالمقابل فالنتيجة واحدة فلا يستطيع أبي أن يتعرض للخطر ولا أستطيع أن اُعرض أبي لموقف محرج مع العشيرة خوفا على أبي  وخوف والدي عليَّ، فوافقت على ضغط عمي وتزوجت من بنته وبالمقابل والد العروس تكفل بكل مستلزمات الزواج حتى البيت والأثاث، فأنا لم أدفع مهراً ولم أتحمل تكاليف الزواج، لكن حياتي مع ابنة عمي الآن وبعد الزواج عبارة عن جحيم فأنا لا أطيقها لأنها زوجة تحت تهديد السلاح ولا أعتبر هذا زواجا وإنما اعتقال، فنحن نعيش في بيت واحد ولا نتحدث مع بعضنا البعض أي كلمة وفي تنافر وشجار مستمر لأتفه الأسباب وأكيدُ لها المكائد لإيذائها وهي كذلك ولا توجد أي مودة بيننا أو رحمة من التي شار إليها القرآن التي يجب ان تتواجد بين الأزواج.

(عادل نوري) من النجف الأشرف: يقول تزوجت من ابنة عمي وهي تكبرني بثلاثة أعوام فقط لإرضاء أمي وأبي لأنها ابنة عمي  وابنة خالتي في نفس الوقت، وهي لم تتزوج بعد وأنا قررت الزواج من فتاة غريبة كانت متفاهمة معي على كل شيء وزميلتي في الدراسة وفقط لأنها ليست من أقاربي، فتعتبر غريبة عني فرفضتها عائلتي ولا أنكر أن زوجتي امرأة طيبة ، لكن ليس بقدرتي تحمل فراق المرأة التي أحببتها لذا تزوجتها دون علم أهلي وهي تسكن في حي ثانٍ مع أختها فأكون مطمأنا عليها بغيابي كما إن هذا الوضع يساعدني من الناحية المادية فليس بمقدوري توفير سكن مستقل لها ، برأيي أكون قد أرضيت أهلي وأرضيت نفسي. والزمن كفيل أن يرتب الأمور فلا حاجة لي بمعرفة أهلي بزواجي الثاني فهذا الموضوع يجلب مشاكل لا تحمد عقباها .

رأي شيخ العشيرة

السيد (طه) من كركوك يتحدث عن رأي العشيرة بهذا الموضوع وعن أبنائها قائلا:- إن الشباب اليوم لا يعون مصلحتهم بالشكل الكافي وإذا لم تفرض العشيرة كلمتها على أبنائها ضاع صيتها وذهبت ريحها وتشتت وانفرط عقدها وتناثرت، وإذا لم تجُبر أبناؤها على الزواج من بناتها فمن سيتزوجهن؟ كيف نرضى أن تتزوج نساء الأغراب من أبنائنا ونساء العشيرة جالسات يترقبن ، نحن كلنا هكذا ، صحيح أنا لو فكرت بالموضوع من ناحية العقل والدين لأجده خاطئاً لكن إذا لم أكن هكذا فسأكون ضعيفاً، حينها لن يحسب لي حساب في عشيرتي ولضاعت نساؤنا وعنسن. زمننا اليوم هكذا الرجل هو من يجد زوجاً لابنته لأن الرجال أصبحوا قلة والنساء كُثر هذا هو واقع الحال وعلى المرء أن يتكيف للزمن الذي يعيش فيه ، سابقا لم نكن ننهي على الرجل ، بل كان الرجل هو من ينهي على ابنة عمه ، أما اليوم فإذا لم اجبر ابن أخي على الزواج من ابنتي فهو لن يتقدم لخطبتها ولن تجد هي من يخطبها، وأشار طه إلى ان هذا الموضوع أصبح واجباً، فاليوم العشيرة هي من تحكم ، نحن لسنا في دولة قانون متكامل ، إنما دائما يخضع القانون للحكم العشائري والعرف وإذا لم أكن صارماً فلن تكون لعشيرتي شوكة يخشاها الآخر ويتجنب مساسها بسوء ونحن اليوم لسنا كالأمس فأعداد الرجال تقل وأعداد النساء غير المتزوجات في العشيرة تزداد وأصبح أبناء العشائر ملزمين بأن يتزوجوا من نساء عشيرتهم حتى لا يبرن، في كل بيت نجد اثنين او ثلاث نساء غير متزوجات، والعشيرة في مجتمعنا يقوى حكمها أكثر من السابق ، فلا تنظري لهندامي وملبسي ومأكلي وطريقة حياتي فنحن مجتمع قبلي عشائري لا يغيرنا التمدن ولكل زمن ظروفه، تلزم العشيرة أن تتعايش معها وتسن قوانين تتماشى مع ظرفها، والآن وصلنا لزمن وجب فيه الحفاظ على بنات العشيرة من العنوسة ...

حكم الدين

* قال الرسول صلى الله عليه وسلم (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) صدق رسول الله

بسم الله الرحمن الرحيم

[{231}وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {232}] (سورة البقرة)

عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال زوجت أخت لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها من جديد فقلت له زوجتك وفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليك أبداً وكان الرجل لا بأس به وكانت المرأة تريده وتريد الرجوع إليه فأنزل الله عز وجل هذه الآية (فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) فقال معقل بن يسار الآن افعل يا رسول الله وأزوجها له قال الرسول صلى الله عليه وسلم (فزوجها له)

رأي القانون

الأستاذ مصعب منعم محمد ماجستير في الأحوال الشخصية يبين انه لا يوجد حكم أو تشريع في القانون العراقي يحوي نصوصاً لمثل هكذا موضوع طارئ على المجتمع العراقي لكونها أحكاماً عشائرية وأعرافاً اجتماعية طارئة تتصير بصيرورة الحياة ، أحكام العشيرة أحكام متغيرة غير ثابتة يتولى إصدارها كبار العشيرة من رجالها وشيوخها وليس هناك حكم أو تشريع ينص على حماية الفرد من العشيرة ففي غالب الأمور حين تقع مشكلة وتصل إلى مراكز الشرطة يرتئي ضابط المركز قبل إحالتها للمحكمة أن تحل عشائريا وهناك مواضيع كثيرة مستعصية. يستعصي على القانون حلها بشكل جذري، لكن حين تتدخل عشيرة الطرفين لحقن الدماء تُحل بـ(الفصل العشائري) ، أما (النهوة على الرجال) فهي حالة جديدة على القانون العراق وليس هناك تشريع او قانون في ذلك ، لكن الجرائم التي تنتج عن النهوة العشائرية سواء كانت على الرجل أو المرأة فهي جرائم ينظر لها القانون على إنها جرائم عشائرية اجتماعية، فتتكيف إلى قانون العقوبات (القانون الجنائي) لكن تخفف باعتبارها أمورا عشائرية، تخفف من إعدام إلى مؤبد ومن الممكن للقاضي أن يرأف بحالة الشخص ويخفف عنه الحكم ومثل هذه القضايا يعود الحكم فيها للقاضي وحسب قناعته في القضية، هذا في حالة حدوث جريمة قتل بسبب النهوة العشائرية .

التفريق والتعويض
لكن في حالة حدوث أمر طلاق بسبب النهوة فهناك في المحكمة ما يسمى بالباحثة الاجتماعية، قبل إجراء التفريق بين الزوجين يحال الملف إلى الباحثة الاجتماعية لدراسة القضية ومعرفة ماهية القضية ونسب القصور من كلا الطرفين وحسب هذه النسبة يحسب وجه التقصير من أي طرف، إذا كان التقصير من الزوج فيتحمل كل أمور الطلاق ونفقاتها وإذا كان الطلاق تعسفي أي عدم موافقة الزوجة على الطلاق وثبوت التقصير من قبل الزوج وإصراره على الطلاق فمن الممكن للزوجة حينها أن تطلب التعويض عن الأضرار التي لحقت بها سواء كانت أضراراً مادية أم نفسية ، أما إذا كان التفريق قبل الدخول بالزوجة فيكون المهر بالنصف. وإن مثل هذه الحالة زادت في الفترة الأخيرة وهي من الحالات الدخيلة على المجتمع بأن يُجبر الرجل على التفريق بينه وبين خطيبته لتزويجه من إحدى قريباته تحت تأثير الحكم العشائري، حينها يصبح الطلاق تعسفياً قبل أن يدخل على الزوجة وفي هذه الحالة من حقها أن ترفع للقضاء حكماً بالتعويض. إن هذه الحالة زادت في القرى والأرياف وكذلك في المدن التي تتصف بالطابع الشعبي والقبلي على الرغم من حالة التمدن التي تعيشها لكن يغلب عليها الطابع العشائري، عكس المناطق المتحضرة التي تكاد تختفي فيها وقد تكون نادرة أو ضئيلة وقلما تحدث. برأيي إن مثل هذه الحالة بدأت تطفو للعيان بسبب كثرة النساء وقلة الرجال وحاجة الأهالي إلى تزويج النساء والخلاص من مسؤولية الإنفاق عليهن وتحمل هموم المعيشة، فالمشاكل الاقتصادية هي المسؤول الأول عن بروز ظواهر غريبة في المجتمع قد تكون دخيلة أو جديدة وغير مألوفة سابقاً ، لكن في كل الأحوال هي تأخذ حيزاً من حياة الناس وفيها متضررون .

ظاهرة تخالف الدين والمجتمع
أنا أعتبر النهوة على الرجال... ظاهرة وليست مشكلة ، فالمشكلة لها حل لكن الظاهرة تستشري في المجتمع لهذا لا بد من المجتمع الانتباه لها وعلى الشباب أن يحاولوا تجاوز هذه الظاهرة وعلى الإعلام ورجال الدين التوعية لمخاطر هذه الظاهرة ، حتى لا تكون من الصفات الملصقة بعادات المجتمع العراقي ، لأنها تخالف الدين والأخلاق ، برأيي من المفروض أن يرفض الشاب مثل هذا الضغط وباعتقادي أن هناك خطأً في شخصية الشاب الذي يُنهى عليه فإذا كان صاحب شخصية لا يتجرأ أحد على تطليق أو تفريق زوجتهِ أو خطيبتهِ منه ، للأسف إن هناك الكثير من الأعراف الخاطئة تحتاج إلى تغيير في مجتمعنا والظواهر هي ليست عرف أو موروث اجتماعي فهي ظاهرة دخيلة طرأت على المجتمع ولم تكن موجودة سابقا بل كانت على النساء وليست على الرجال فكل عرف في المجتمع يصبح عادة وكل عادة لها اتفاقية وكل اتفاقية لها قانون وتشريع، لكن الظاهرة ليست عرفاً وليست عادة وليس لها قانون، والظواهر تظهر وتذهب فلا يوجد قانون يُحكم به أو تشريع على ظاهرة وإنما القانون يُنص لكل ما هو عرف، هنا يأتي دور الإعلام التثقيفي ومنظمات المجتمع المدني للتدخل وتثقيف المجتمع للرفع أو الحد من مثل هذه الظواهر التي تأتي على المجتمع كالآفات ، برأيي أن المتضرر الوحيد من هذه الظاهرة هي المرأة فإذا كانت زوجة كما في الحالة التي ذُكرت قبل قليل (زوجة تحت تهديد السلاح) فإن حياتها ستكون جحيماً وغير مستقرة وليست من البيوت الآمنة وإذا كانت قد طلقت من زوجها أو فرقت من خطيبها بسبب النهوة من إحدى قريبات الرجل فللأسف هذا دمار لحياتها وسيدرج أسمها أمام المجتمع ضمن قائمة المطلقات وهي ليس لها "لا ناقة ولا جمل" في هذه الزيجة كما يقال ، فتكون المرأة هي الضحية في كلتا الحالتين .

Post a Comment

أحدث أقدم